روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | ما معنى استجابة.. الدعاء؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > ما معنى استجابة.. الدعاء؟


  ما معنى استجابة.. الدعاء؟
     عدد مرات المشاهدة: 5250        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا طالبة في الدِّراسات العُليا، وعندي استفسار عن موضوع:

"استجابة الدعاء ومعناه"؛ فالأكثريةُ يفسِّرون الاستجابة بحدوث إحدى ثلاث - كما هو وارد في الحديث -:  إما بتعجيل الدعوة، أو بدفع بلاء وسُوء، أو بادخارها للداعي في الآخرة.

وأرى من خلال بعض الأدلة أنَّ معناها: تحقيق المطلوب في الدعاء.

أرجو إفادتي في ذلك؛ فإني أخشى الضلال والإضلال؛ فإن تيقَّنتُ مِن صحَّة رأيي، فأنا عازمةٌ - إن شاء الله - على أن أكتبَ في هذا الموضوع رسالة الماجستير.

وإليكم ما وجدتُه في بعض الكُتُب بخصوص ما قلت:

(1) أ- قول النبي - عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام -:  ((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)) ؛ أخرجه الترمذي وأبو داود.

ب- ((ثلاثةٌ لا يُرد دعاؤهم: الذاكر لله كثيرًا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط)) ؛ أخرجه البيهقي والطبَراني، وحسَّنه الألباني.

ووجه الدلالة أنهم يقولون: إنَّ جميع الدعوات مستجاباتٌ، وإنَّ الاستجابة إحدى ثلاث، ولو كان ذلك، لما حُدِّدت هنا بـ (ثلاث)، ومن المعلوم والمشاهَد؛ أن هذه الدعوات المحددةَ تتحققُ في الدنيا؛ أي: تُعَجَّلُ، والله أعلم.

(2) نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا تدعُوا على أنفسِكم، ولا على أولادِكم، ولا تدعُوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يُسأَلُ فيها عطاءً، فيستجيب لكم)) ؛ رواه البخاري ومسلم.

ووجْه الدَّلالة: قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:  ((فيستجيب لكم)) ؛ والذي يُفهم: أن تتحقق الدعوة؛ أي: في الدنيا، والله أعلم.

(3) قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:  ((يُستجاب لأحدكم ما لم يَعجلْ؛ يقول: قد دعوتُ ربِّي، فلم يستجب لي)) ؛ متفق عليه.

ووجه الدلالة: أنه يقول: ((لم يستجب لي)) ، ولو كانت الاستجابة كما يقولون، لَمَا كان هناك داعٍ لذكر العجَلة؛ ((ما لم يعجل)) ؛ لأنه ما يدريه أن الله قد استجاب له بالاثنتين الباقيتين، فدلَّ على أن معنى الاستجابة: تحقُّق الدُّعاء، والله أعلم.

(4) قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 195]، وقوله: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾[الأنبياء: 90]، وغيرها كثيرٌ من الآيات.

ووجه الدلالة: أن معنى الاستجابة في هذه الآيات: تحقُّق الدعاء، والله أعلم.

(5) قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:  ((أطب مَطعمَك، تكُنْ مستجابَ الدعوة)) ؛ رواه البخاري.

ووجه الدلالة: أنَّ هناك مَن هم مُستجابو الدَّعوة من الصحابة وغيرهم، وليس كل المسلمين كما يقول الذين يفهمون أن الاستجابة بإحدى ثلاث، والله أعلم.

(6) قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 194].

ووجه الدلالة: أن الله تحدى المشركين أن يدعوا آلهتهم المزعومة، وليستجيبوا لهم، ومن المعلوم أن الاستجابة هنا بمعنى: التحقق، والله أعلم، فهم عندما يدعونهم ينتظرون تحقق ما دعوا به في الدنيا، وإلا لَمَا تحدَّاهم الله سبحانه، والله أعلم.

(7) عن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العُمرِ إلا البر)) ؛ رواه التِّرمذي - بلفظه - برقم: (2239)، والحاكم بنحوه (1/ 493)، من حديث ثوبان، وصححه، ووافقه الذهبي.

ووجه الدلالة: أنَّ الدُّعاء بفضل الله - تعالى - يَرُدُّ القضاء يقينًا؛ لأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال ذلك، وحصر رد القضاء في الدُّعاء؛ ويستفاد من ذلك أن استجابة الدعاء هي: تحقُّقه، والله أعلم.

(8) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:  ((لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليُعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلَّا أعطاه)) ؛ رواه البخاري برقم: (339)، ومسلم - واللفظ له - برقم: (2679).

ووجه الدلالة: أنَّ من يدعو الله - وهو متيقن من حصول مطلوبه بإذن الله - ليس كمن يدعو وهو غير متيقِّن من ذلك؛ فالثاني قلبُه متردِّد بين إحدى الثلاث، وليس عازمًا للمسألة، وكأنه يستثني في دعائه.

(9) أدْعِية نبينا - عليه الصلاة والسلام - والإجابة.

ووجه الدلالة: من المعلوم أن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأنبياء مُستجابو الدعوة، وإذا تتبَّعنا أدعيته - عليه الصلاة والسلام - وجدناها قد تحققتْ، والله أعلم.

(10) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((دعوة المظلوم مستجابةٌ، وإن كان فاجرًا، ففُجُوره على نفسه)) ؛ رواه أحمد (2/ 367)، وأبو داود الطيالسي في مسنده برقم (1266)، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 407) برقم: (767)، وفي صحيح الجامع (3/ 145) برقم (3377).

ووجه الدلالة: أن دعوة المظلوم متحققةٌ على من ظَلَمه في الدنيا قبل الآخرة، وهذا معلومٌ بالمشاهدة، حتى وإن كان فاجرًا، فهي متَحقِّقةٌ لا محالة، والله أعلم.

(11) عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((دعوة العبد المسلم لا ترد إلا بإحدى ثلاث، ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ، إما أن يستجاب له فيما دعا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من السوء بقدر ما دعا)) .

ووجه الدلالة: أنه قد صرَّح هنا بالاستجابة: ((فإما أن يستجاب له)) ؛ أي: تتحقَّق، أو الاثنتين الباقيتين، ولم يُسمِّ الاثنتين الباقيتين استجابةً، والله أعلم.

(12) ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه -:  أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللهم إني أعوذ بك مِن علمٍ لا ينفع، ومِن قلبٍ لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها)) ، فقد ذكر في هذا الحديث الصحيح أنَّ هناك دعوةً لا يستجاب لها، وليس كما يقولون من أن جميع الأدعية مستجابة بإحدى ثلاث؛ موقع الشيخ الدكتور خالد عبدالعليم متولي.

(13) وإليك هذه المقالة: "الدعاء يشفي المرضى"؛ طبيًّا أكد موقع (مايكروسوفت) على الإنترنت أن فريقًا من العلماء يقومون - الآن - بأبحاث حول أثر الدعاء في المساعدة على شفاء المرضى؛ حيث أشارتْ مُعظم الأبحاث إلى تأثُّر المرضى بمعتقداتهم وممارستهم الإيمانيَّة.

وأن المرضى المتدينين يعافون أسرع، أو يتأقلمون مع المرض بطريقة أفضل من غير المتدينين، وقد دفع هذا بعض العلماء الذين تعمَّقوا أكثر في هذه الأبحاث إلى بحث إمكانية مُساعدة الآخرين في الشفاء عن طريق الدعاء لهم، دون علمهم.

وقد أثبتت الدِّراساتُ الحديثة التي أُجريتْ على مرضى القلب في مستشفى "سانت لوك" في مدينة "كانساس" الأمريكية، أن هذا النوع من الدعاء المسمى: "الدعاء الشفيع" يؤثِّر فعلًا في سرعة علاج هؤلاء المرضى.

وفي هذا الصَّدد يقول صاحب هذه الدِّراسة "الدكتور ويليام هاريس" الباحث في أمراض القلب: "يمكن أن يكون الدعاء مساعدًا فعالًا للعلاج الطبي".

وقد نُشرت الدراسة في وقت مبكر بتاريخ: 25 أكتوبر 1999م في أرشيف أبحاث المستشفى، ثم قام الدكتور "هاريس" وفريقه باختبار التطورات الصحيَّة لحوالي 1000 مريض من حديثي الإصابة بأمراض القلب في المستشفى.

وتمَّ إجراءُ التجربة عن طريق تقسيم المرضى عشوائيًّا إلى مجموعتَين، وتطوَّع 5 من المسيحيين المؤمنين بالله، وبأثر الدعاء في شفاء المرضى، وقاموا لمدة 4 أسابيع بالدعاء يوميًّا بسرعة الشفاء بدون أي مضاعفات مرَضيَّة للمجموعة الأولى، بينما لم يقُم أحدٌ بالدعاء للمجموعة الثانية.

وللتأكُّد من سلامة إجراءات التجربة؛ امتنع المتطوعون عن زيارة المستشفى، ولم يعرفوا إلا الأسماء الأولى للمرضى، أما المرضى فلم يعرفوا أن أحدًا يقوم بالدعاء لهم.

وقد أثبت "هاريس" في نتائجه، من خلال قياس الأعراض التي تصيب مرضى القلب من آلام في الصدر، ومتاعب الرئة، أن حالة مرضى المجموعة الأولى التي تم الدعاءُ لها أفضل من المجموعة الأخرى بنسبة 11%، وهي نسبة ذات أهمية.

ويقول "هاريس": "إنَّ الأمر يحتاج إلى حُسن تصرُّف؛ لإعادة توجيه هذه المعلومة المبهمة" - كما أسماها - ويضيف: "أن الأمر يحتاج إلى المزيد من البحث، وأنه كلما زاد البحث من قِبَل جهات مختلفة؛ اقتربنا من الحقيقة".

ومثلُها مثل باقي الدِّراسات الأخرى، فقد تعرَّضت دراسةُ هاريس للنقد والتأييد؛ إذ يقول المعارضون: إن النتائج غير موضوعيَّة بالمرة؛ ومن ثَمَّ فإنها لا تعدُّ نتائج علميَّة، ويقول آخرون: إن عدم إخبار المرضى بأن هناك مَن يدعو لهم، يعد تعديًا على حقوقهم في حرية التديُّن.

من جهةٍ أخرى يرى المؤيدون أن الدِّراسة تستحق المزيد من البحث.

وأقول: من أولى من المسلمين بهذه الدراسات الهامة التي تزيد المؤمنين إيمانًا، وتفتح لهم أبواب شفاء؟! ما أحوجهم إليها في هذا الزمان الذي زادتْ فيه الأمراض، والمشاكل الصحية زيادة هائلة! ألم يقل الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -:  ((لا يرد القضاء إلا الدعاء)) ؟ !

وأن القضاء والدعاء يتعاركان؛ لذا ننصح المسلمين ممن أصابتهم الأمراض بكثرة الدُّعاء، وأن يدعوَ لهم أهل الخير والصلاح، أما غير المبتلى فعليه دوام سؤال العافية؛ كما ورد في الأحاديث النبوية الكثيرة؛ انتهت المقالة.

(14) وقد قرأتُ كلامًا لابن القيم لا أذكر الكتاب, أنه قال: إن إجابة الله لعبده تشفي الصدر، وتزيد من تعلُّق قلب العبد بربه، وتزيل الوحشة؛ هذا ما فهمتُه من كلامه.

(15) أمَّا استدلالهم بحديث: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ)) ، فيُمكن توجيه هذا الحديث بأن الله - تعالى - والله أعلم - يستحي أن يَرُد دعوة المسلم صِفرًا,

هذا إن لم تكتمل شُرُوط الدُّعاء, وإنما يعطيه بها إحدى ثلاث، وحديث: ((إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ؛ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ)) ؛ حديث صحيح؛ أخرجه الترمذي، قد يُعضد هذا الكلام، والله أعلم، ولدي بعض الأدلة الأخرى، آسفة على الإطالة، وجزاكم الله كل خيرٍ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:


فالذي يظهر: أنَّ فهمكِ لاستجابةِ الدعاء فَهمٌ قاصرٌ، وهو ما دفعَكِ لذكرِ كلِّ هذه الأدلةِ، التي لو أدركتِ المعنى الصحيحَ لقوله - تعالى -:  ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر: 60]، وهل هي متعارِضة مع قوله: ﴿ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ ﴾ [الأنعام: 41].

كما أننا نرى كثيرًا من الناس يدعو فلا يستجاب له، وهذا ليس تناقضًا، ولكن إذا فُهِم معنى الاستجابة للدعاء - كما ورد في السنة المشرَّفة - استقامت الأدلَّة في الأفهام؛ فاستجابة الدعاء لها صورٌ، فتقع بعين ما دُعِي به، أو بعِوَضِه.

أو بادِّخار الأجر، فهو مِن أعظم العبادة؛ لما فيه من الخضوع والافتقار، وتأمَّلي كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، حيث قال: "كلُّ داعٍ يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة؛ فتارةً تقعُ بعين ما دعا به، وتارةً بعِوَضِه".

وقد ورد في ذلك حديثٌ صحيحٌ؛ أخرجه الترمذي والحاكم، من حديث عبادة بن الصامت - رفعه -:  ((ما على الأرض مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلا آتاه الله إيَّاها، أو صرف عنه من السوء مثلَها)) ، ولأحمد من حديث أبي هريرة: ((إما أن يُعجِّلها له، وإما أن يَدَّخرها له)) .

وله في حديث أبي سعيد - رفعه -:  ((ما مِن مسلمٍ يدعو بدعوةٍ، ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحم، إلا أعطاه الله، بها إحدى ثلاث: إما أن يعجِّل له دعوته، وإما أن يدِّخرها له في الآخرة، وإما أن يَصْرِف عنه من السوء مثلها)) ؛ وصححه الحاكم.

ومما يبينُ - أيضًا - أن الأدلة التي أوردتِها في سؤالك لا تُعارِض - مطلقًا - تفسيرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستجابة الدعاء: أن الشارع أمرَنا أن ندعو الله - ونحن موقنون بالإجابة - وأن نحزِم المسألة؛ لأنَّ الله لا يُعجِزه شيء، وهو على كل شيء قديرٌ.

ولكنَّ الدعاء وإن كان من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، إلا أنه قد يتخلفُ عنه أثرُه؛ إما لضعفِه في نفسه؛ بأن يكون دعاءً لا يحبُّه الله؛ لِمَا فيه من العدوان، وإما لضعف القلب، وعدم إقباله على الله، وجمعيّته عليه وقتَ الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًّا؛ فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا.

وإما لحصول المانع من الإجابة؛ من أكل الحرام، والظلم، ورَيْنِ الذُّنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة، والسهو، واللهو، وغَلَبتها عليها؛ كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: 

((ادعُوا الله - وأنتم موقنون بالإجابة - واعلموا أن الله لا يَقبلُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)) ؛ فغفلةُ القلب عن الله تُبطِل قوة الدعاء، وكذلك أكلُ الحرام يُبطِل قوته ويُضْعِفها؛ كما في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة.

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  ((أيها الناسُ، إن الله طيبٌ لا يَقبَل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾[البقرة: 57].

ثم ذَكرَ الرجل يُطِيل السفر، أشعثَ، أغبرَ، يَمُدُّ يَدَهُ إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومَطْعَمُه حرامٌ، ومَشْرَبُه حرامٌ، ومَلْبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب لذلك؟! ) ).

والدعاءُ مع البلاءِ له ثلاثةُ أحوالٍ: يكونُ أقوى من البلاء، فيَدفعُه، أو أن يكون أضعفَ من البلاءِ، فيَقوَى عليه البلاءُ، فيُصاب به العبد، ولكن قد يخفِّفه - وإن كان ضعيفًا - أو يتقاومَا.

ويَمنع كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، وقد رُوِيَ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ((لا يُغنِى حَذَرٌ من قَدَرٍ، والدعاءُ ينفع مما نَزَلَ، ومما لم ينزل، وإن البلاءَ لَينزِلُ فيلقاه الدعاءُ، فيَعْتلِجَان إلى يوم القيامة)) ؛ رواه الحاكم، وحسَّنه الألباني.

والحاصل: أنَّ الدُّعاءَ من جملة الأسباب التي أُمرِنا بأخذها؛ كالأكلِ، والشربِ، والتداوي، وليس شيءٌ من الأسباب أنفعَ من الدعاء، ولا أبلغَ في حصولِ المطلوبِ.

قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (8/ 192):  "الدعاءُ في اقتضائه الإجابة، كسائر الأعمال الصالحة في اقتضائها الإثابة، وكسائر الأسباب في اقتضائها المسببات، ومَن قال: إن الدعاء علامةٌ ودلالةٌ محضةٌ على حصول المطلوب المسؤول ليس بسببٍ، أو هو عبادةٌ محضةٌ.

لا أثر له في حصول المطلوب؛ وجودًا ولا عدمًا، بل ما يحصل بالدعاء، يحصل بدونه - فهما قولان ضعيفان؛ فإنَّ الله علَّق الإجابة به تعليق المسبب بالسبب؛ كقوله: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر: 60]، وفي الصحيحين عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

((ما من مسلمٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ، إلا أعطاه بها إحدى خصالٍ ثلاثٍ: إما أن يعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخر له من الخير مثلها، وإما أن يَصرِف عنه من الشر مثلها)) ، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثِر، قال: ((الله أكثر)) ؛ فعلَّق العطايا بالدعاء تعليق الوعد والجزاء بالعمل المأمور به.

وقال عمر بن الخطاب: "إني لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّ الدعاء، فإذا أُلْهِمت الدعاء؛ فإن الإجابة معه"، وأمثال ذلك كثيرٌ.

وأيضًا؛ فالواقع المشهود يدل على ذلك ويبيِّنه؛ كما يدل على ذلك مثله في سائر الأسباب، وقد أخبر - سبحانه - من ذلك ما أخبر به في مثل قوله: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾ [الصافات: 75]، وقوله - تعالى -:  ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].

وقوله: {﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ [النمل: 62]، وقوله - تعالى - عن زكريا: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ [الأنبياء: 89 - 90]، وقال - تعالى -:  ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].

وقال - تعالى -:  ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ * وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [الشورى: 32 - 35].

فأخبر أنه إن شاء أَوْبَقَهنَّ؛ فاجتمع أخذُهم بذنوبهم، وعفوُه عن كثيرٍ منها، مع علم المجادِلين في آياته أنه ما لهم من محيصٍ؛ لأنه في مثل هذا الحال يعلم المُورِد للشبهات في الدلائل الدالة على ربوبية الرب، وقدرته، ومشيئته، ورحمته - أنه لا مخلِّص له مما وقع فيه.

كقوله في الآية الأخرى: ﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 13]؛ فإن المعارف التي تحصل في النفس بالأسباب الاضطرارية أثبتُ وأرسخُ من المعارف التي يُنْتِجها مجرَّد النظر القياسي.

والمقصود هنا أن يعلم أن الدعاء والسؤال هو سببٌ لنَيْل المطلوب المسؤول، ليس وجوده كعدمه في ذلك، ولا هو علامةٌ محضةٌ؛ كما دل عليه الكتاب والسنة.. . الأمر هو سببٌ - أيضًا - في امتثال المأمور به؛ كسائر الأسباب، فالدعاء سببٌ يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه، دفعه.

وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه، ويضعفه؛ ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق، والله أعلم".

الكاتب: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

المصدر: موقع الألوكة